معهد مكة المكرمة للعلوم الشرعية / أورفا المباركة

     بعد تخرج طلاب الدفعة الثانية من معهد مكة المكرمة للعلوم الشرعية في أورفا، واستقبال معهدنا للدفعة الرابعة من الطلاب الجدد، عادت بي الذكريات لأيامنا الأولى في ولاية شانلي أورفا، مدينة البركة والطيبة  مدينة استقبلت أكثر من نصف مليون سوري من شتى أنحاء سوريا، أرضِنا الحبيبة التي خرجنا منها، ولسان حالنا يقول كما قال عليه الصلاة والسلام عندما خرج من مكة: ( والله إنك لأحب البلاد إلى قلبي ولولا أن قومك أخرجوني ماخرجت )، و نقول أيضًا كما قال الله تعالى : ( ألا إن نصر الله قريب).

 هذا النصر الذي عاينا بعضًا من أسباب تحققه بمشيئة الله تعالى، كإقبال الناس على تعلم كتاب الله تعالى تلاوةً وحفظًا وفهمًا وتطبيقًا، وإقبالهم على تعلم دينهم وتوعية أبنائهم وتوجيههم إلى المعاهد وحلقات العلم الكثيرة التي انتشرت هنا وهناك…

    لكن هذا الأمر لم يخلُ من وجود بعض المفسدين الذين أدلوا بدلوهم وحاولوا نشر فكرهم المتطرف عن طريق دس السم في الدسم، وإفساد نهر العلم الصافي بأفكارهم المشوهة ـ كما هو الحال دومًا في الصراع بين الحق والباطل ـ وقد كان لمعهد مكة المكرمة والقائمين عليه شرف الذَّود عن العلم الصافي النقي ونشر الفكر المستنير المهتدي، فساهم المعهد ولا يزال يساهم في توعية الناس وتعليمهم وإرشادهم إلى سبيل الحق.

وكم كانت فرحتنا كبيرة يوم تم الإعلان عن فتح باب التسجيل في المعهد بعد أن جفت القلوب، وصدأت العقول، وكلت الهمم،  ففي عام 1436 للهجرة والموافق 2015 للميلاد، أقبل الناس للانتساب لمعهد مكة المكرمة للعلوم الشرعية، حتى وصل العدد في مدينة أورفا ومخيماتها قرابة مئتي طالب وطالبة، من مختلف الأعمار وممن لديه شهادة ثانوية عامة، وقد استكملوا أوراقهم الرسمية وتم إجراء مقابلة لهم قبل البداية بالدوام، ومن أول لقاء مع الطلاب رأيت لهفتهم وفهمت همهم بقولهم: ضاع كل شيء فلا نريد أن يضيع منا أهم شيء ألا وهو ديننا، فكان معهد مكة المكرمة ملاذاً لطالبي العلم ، بل كان  بحرًا زاخرًا بالكنوز يأتيه كل محب ومريد، فمنهم من يجلس على شاطئه ويستمتع بمشاهدته، ومنهم يسبح فيه ويعوم، ومنهم من يغوص إلى أعماقه، وكلما نال من كنوزه اشتاق للمزيد، من فقهٍ وأصوله، وحديثٍ ومصطلحه. وعقيدةٍ وفكرٍ، وأدبٍ ولغةٍ وبلاغةٍ، وسيرةٍ وعلومِ قرءانٍ وتجويدٍ، ودعوةٍ وتربيةٍ .

 

أتذكركلما كنت أقف أمام باب معهدنا يومي السبت والأحد في الثامنة صباحاً، وأرى الطلاب وهم يحملون كتبهم مقبلين ذات اليمين وذات الشمال، رغم برد الشتاء وحر الصيف وصعوبة المعيشة،  أدعو الله أن يثبتهم وينفعهم وينفع بهم الأمة.

 

أذكر كلما دخلت فصلاً من الفصول الدراسية أرى على مقاعدها الشيخ الكبير الذي ابيض شعره وبجانبه الشاب المليء بالحيوية والنشاط وكأنهم مصطفون في جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه لنصرة دين الله، ترى الأم وابنتها تدرسان نفس الكتاب ، زوجة الشهيد وأم الأيتام، ترى الطبيب والمهندس والمحامي والحافظ والمعلم والعامل، تسمع كل لهجات المحافظات السورية في مكان واحد فتُسر وتُسعد ….ولو أردت أن تطلع على أحوال بعض الطلاب لازدادت دهشتك من أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الصعبة…لكن الله لطيف بعباده.

 تجلس معهم فتسمع نقاشهم في قول المعلم وما ذكر في الكتاب يتدارسون ويراجعون فأشعر وكأنني في واحة غناء فيخطر ببالي حديث النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبته الكرام: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟  قال: حلق العلم).

 

وقد كان للمعلمين الأفاضل الدور الأساسي في هذه الرياض فكانوا هم الزُرَّاع المثابرون الذين لا يكلون ولا يملون، فقد  بذلوا ولا يزالون يبذلون جهودًا عظيمةً في توعية وتعليم الطلاب ، واتخذوا الصبر والإتقان رفيقًا لهم في هذه المسيرة التي أثمرت ورأينا ثمارها رغم كل الصعوبات التي نمر بها كسوريين، فكم من طالب دخل معهدنا بحال وخرج بحال مختلف في الأفكار والسلوك والأعمال ، وكم من طالب أصبح منبراً من منابر الحق يتابع مسيرة معهده في أهله ومجتمعه ومكان عمله.

 

لن أنسى هذه الوجوه المنيرة التي كانت تأتي من ولاية ماردين في أيام عطلتهم وراحتهم لتدريس طلابنا مما امتن الله به عليهم من العلوم، وهل ينسى طلابنا معلميهم وتوجيهاتهم وأحوالهم! كالدكتور حسن الخطاف والدكتور إبراهيم الديبو وكل من كان  في أورفا من الدكاترة والأساتذة والمشايخ، حفظهم الله جميعًا.

لا زلت أذكر تلك المعلمة في حلقة القرءان بمخيم تل أبيض أم الأيتام التي شرح الله صدرها لنور العلم فدرست الثانوية العامة رغم صعوبة العيش وتربية الأولاد وثابرت حتى نجحت، وانتسبت لمعهد مكة وتخرجت منه، وكثير من القصص الرائعة التي تدعو للعجب والدهشة، حقيقٌ أن نقول: ((معهد مكة قصص النجاح)).

معهد مكة بإدارته ومعلميه وطلابه نحسبهم ـ والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدًا ـ  من الصالحين المصلحين إن شاء الله، ويحق لنا أن نقول وبفخر : معهدنا ـ معهد مكة المكرمةـ هو صرح من صروح بناء جيل  متعلم واعٍ ، هذا الجيل الذي سيساهم في بناء الأمة  والنهضة بها قريباً إن شاء الله .

مدير معهد مكة المكرمة للعلوم الشرعية / فرع أورفا

                                                                                         مدير فرع أورفا

                                                                                    محمد عبد الحميد الأفندي

 

 

معهد مكة المكرمة للعلوم الشرعية ـ فرع حماة
الفريق الطلابي في فرع مرسين يقيم جولات دعوية رمضانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Close
Close سلتي
Close المفضلة
Recently Viewed Close

Close
Navigation
Categories