بقلم: أ. محمد مصطفى الشامي
* محاضر علوم الحديث في فرع المعهد – أنطاكية
تحدثتُ في الجزء الأول من المقال عن ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي هذا الجزء الثاني خصصتُه للكلام عن الآداب بما يجب مراعاته عند الشروع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجاءت في عشر نقاط…
رابط المقال / الجزء الأول: https://makkahacademy.orgacademy/1-aadab-standard
الجزء الثاني: الآداب
-
1- الإخلاص:
وهو أصلٌ عند الشروع في كل عبادة من العبادات، فيجب على الآمر والناهي أنْ يستحضر وينوي في أمره أو نهيه مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأكتفي بالتذكير ألّا يتحول الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر إلى حب الظهور أو الجدال والحذر من الوقوع في الكبرِ أو العُجبِ وغيرهما من المقاصد التي تنافي المقصد الشرعي وتفسد الثواب على العبد.
-
-
2-الصبر:
فإن أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر يُعَرِّضُك أيها المسلم لأذاهم؛ ولذلك تجد في قوله تعالى الأمر بالمعروف مقترنا مع الصبر، قال تعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: { يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ}[1]
وقال تعالى: { وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ }[2] فالتواصي بالحق يلزم معه التواصي بالصبر.
والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مظنة حصول الأذى أو بعض الأذى من الناس فلا بد لمن يقوم بهذا الواجب من الصبر وأنْ يُوطِّنَ نفسه على ذلك ولا يكون أذى الناس صارفاً له عن هذا الواجب… وهذا فيما يكون منْ أذىً يحتمله الإنسان أما إذا ظنّ أو قدّر وقوع أذى ومشقة تصل لحد الضرر كالقتل أو نحو ذلك فله أن يسكتْ ويُنْكر بقلبه… وكل امرئ يقدر استطاعته
وأشار النووي رحمه الله إلى هذا المعنى فقال: ” فان غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكراً أشد منه، مِنْ قَتْلهِ أو قتل غيره بسببٍ، كفَ يَدَهُ واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإنْ خاف أن يُسَبِبِ قوله مثل ذلك غَيَّرَ بِقَلبِهِ، وكان في سَعَةٍ، وهذا هو المراد بالحديث”[3]. والمقصود حديث من رأى منكم منكرا الذي فيه ذكر مراتب النهي الثلاثة.
-
-
3- واجبك هو البلاغ:
فلا يصح ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمظنة عدم استجابة الشخص المدعو وعلى هذا أكثر العلماء[4].
كما في الآية: {مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ }[5] {وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ}[6] والهادي هو الله تعالى.[7]
4- الستر:
ويراعي من يَأْمُرُ ويَنْهى ألّا تتحول النصيحة إلى فضيحة لأخيه المسلم وما أجمل قول الشاعر:
تَعَمّدْني النّصيحة في انفراد وجنِّبني النصيحة في الجماعةِ
فإن النصح بين الناسِ ضربٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه[8]
والستر يشمل جانبين:
الأول: الستر حال الأمر أو النهي فلا يزجره بما يفضحه فيه أمام الناس، فمن وعظ أخاه علانية فقد شانه.
والثاني: بعد حصول الأمر أو النهي ألّا يُشَهِّرَ به بين الناس أنّ فلاناً كان على كذا وكذا وفعل وترك… سواء استجابَ وتابَ أمْ لمْ يَسْتَجب.
5- اللين والرفق:
وخاصة مع الجهلاء والضعفاء من الناس، وذلك لقوله تعالى فيما يشمل عموم الدعوة والنصح مع الكافر ومع المسلم أيضاً من بابٍ أولى:
{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ }[9]
والترفق مع الناس سبيل إلى كسب مودتهم واستجابتهم. وفي صحيح البخاري: « يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»[10].
6- التواضع:
بأنْ لا يستكبر الآمر أو الناهي على الناس بكونه أعلم منهم أو لم يقع بما وقعوا به مِنْ ذنوب؛ فَرُبّ مُذنبٌ تائبٌ خيرٌ مِنْ ذِي طاعةٍ يستكبرُ على المُذنب…
-
-
7- ألّا يخالف ما يأمرُ به وما ينهى عنه:
وذلك من الصدق مع النفس ومع الله تعالى، ولقوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ، كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ }[11]
وكلما كان مَنْ يتصدر لهذه الفريضة ممن يعرفه الناس بالالتزام والمروءة والخلق الحسن كان ذلك أدعى لتقبلهم واستجابتهم، وهو مما يُعينُ المرء على التأثير في الناس. ولا يعني هذا ترك الأمر أو النهي بل يأمر وينهى مُذَكراً لنفسه ولغيره ويَذكرُ تقصيرَهُ ويَسألُ الله تعالى العفو والعافية. ولو لم يأمر الناسُ إلا بما لا يخالفونه لتُرِكَ التناصح والدعوة.
-
-
8- العلم أنّ النهي بالقلب مقدور عليه دائماً:
إذ أنّ المسلم لا يمنعه شيءٌ من كراهية المنكر بقلبه، وهذا في وسعِ واستطاعة الجميع كباراً وصغاراً في كل الأحوال والظروف، وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه أنْ جعله أدنى الدرجات…
-
-
9- ترك مجالسة صاحب المنكر:
الجلوس يعتبر علامة رضى بما يقع في المجلس من خير أو شر فإنْ صَاحَبَ المَجلسَ وُجودٌ المنكر فيجبُ الإنكار ثم الهجران للمجلس قال تعالى: {وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ}[12].
وهذا مما يقع به البعض من الناس أنْهم يجالسون أهل المنكرات ويتذرعون أنهم ينكرون عليهم بالقلب، وأيُّ نكارة في القلب لمن يجالس ويخالط أهل المنكر[13].
بل الواجب ترك المجالس التي فيها منكر في حال لم نتمكن من النهي عن المنكر الحاصل فيها. قال تعالى: {وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ}[14]
ولقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ}[15]
-
-
10- أنْ يستعين بمن يثق بهم: