أقام الفريق الطلابي فرع كليس، وضمن سلسلة البناء الفكري محاضرة قدمها الدكتور
أحمد إدريس الطعان وبعنوان :
(جذور العلمانية في الفكر الغربي)
حيث بين فيها الدكتور الطعان: أن العلمانية غربِيّة الجذور والمنشأ، وكان ظهورها نتيجة حتمية لتسلط رجال الدين الكنسي، من جهة والحكام والملوك من جهة ثانية، فكانت أوربا بين فكي كماشة، ولذلك كان شعار الثورة الفرنسية نريد أن نرى آخر ملك مشنوقا بأمعاء آخر قسيس، فكان هذا تعبيرا عن تفاقم الاستبداد الديني والسياسي بشكل رهيب أدى إلى رفض الدين بنسخته الكهنوتية، ومن ثم ظهرت البروتستانتية كمحاولة للإصلاح، إلا أن ذلك لم يكن كافيا بسبب انهيار البعد المعرفي اللاهوتي للمسيحية وانتشار الفلسفات اللادينية والإلحادية التي اعتبرت الدين من صنع البشر ولا خلاص للبشر إلا بالخلاص من الدين، والدين المقصود هنا هو الدين المسيحي لأنه هو المعني بالحرب التي تشنها العلمانية ضد الدين واعتباره دينا ضد العقل ولا يقوم على أي أساس، ولكن الكنيسة لم تستسلم فقاومت حركات الإصلاح وجهود العلماء وأنشأت محاكم التفتيش التي تبحث عن الهراطقة (المبتدعة) والمجدفة (الملاحدة) وتقبض عليهم فتقتلهم حرقا كما فعلت مع جيوردانو برونو، أو تسومهم سوء العذاب كما فعلت مع روجر بيكون، وقد تم إعدام ملايين الناس من مفكرين وغيرهم بتهمة الهرطقة أو التجديف، وكانت الوسيلة المفضلة للإعدام هي الحرق تجنبا لسفك الدماء على حد وصف رجال الكنيسة، مما أدى إلى ثورات في كل البلدان الأوربية للتخلص من قاعدة الاستبداد والتخلف والقمع وهو الكهنوت المسيحي المتعاطف مع الملوك المجرمين.
وقد انتقلت العلمانية إلى بلادنا العربية والإسلامية مع الغزو الأوربي لبلادنا بدءا من حملة نابليون وما رافقها من جهود استشراقية ثم جهود لفرض العلمانية على الأمة في مختلف المجالات الفكرية والأخلاقية والسلوكية والتربوية.
إلا أن العلمانية وصلت في الجانب الفكري إلى طريق مسدود بحيث انتشرت العدمية والشك واللاأدرية في المجتمعات الغربية ويراد لمجتمعاتنا أن تعيش المأساة ذاتها التي تمر بها أوربا في الجانب العقدي والأخلاقي.
إلا أن ما يجعلنا نطمئن إلى المستقبل (دون أن يكون ذلك مبررا لتقاعسنا) هو أن الإسلام يمتلك قوة ذاتية توائم بين العقل والقلب والعلم والواقع وهو يلبي حاجة الإنسان الروحية والمعرفية وينسجم مع فطرته الطبيعية. ولذلك ما إن يقبل الإنسان عليه مخلصا صادقا في البحث عن الحقيقة حتى تنجلي الحقيقة أمامه ناصعة كالثلج فهو دين الفطرة والعقل وملجأ الإنسان التائه وخلاص الإنسان المعذب.