Sample Text
خصائص الثقافة الإسلامية – ثانيا: الشُّمول – من سلسلة حياتنا ثقافتنا – الجزء السادس
بقلم الدكنور محمد محمود حوا
ونتابع الحديث في خصائص الثقافة الإسلامية وصفاتها التي تتميز بها وتنفرد عن غيرها من الثقافات، وحديثي اليوم عن خصيصة التوازن والشمول.
ثانياً: التوازن والشمول:
نقصد بذلك أن الثقافة الإسلامية شاملة للإنسان في تصوراته ومعتقداته وتفاعلاته في مختلف جوانب الحياة. وهي مع هذا الشمول متوازنة لا يطغى فيها جانب على جانب، ويتجلى توازن وشمول هذه الثقافة في الجوانب التالية:
1- شمولية الاعتقاد: فهو يشمل عقيدة الإنسان في الخلق والخالق، والكون والإنسان، والحياة الدنيا والحياة الآخرة، وشمولية الاعتقاد تشمل الاعتقاد القلبي، والسلوك العملي، وتشمل العبادات والمعاملات، ولذلك ارتبط العمل الصالح بالإيمان، ومع هذا الشمول فقد وازنت الثقافة الإسلامية بين المادة والروح، والدنيا والآخرة، دون اقتصار على جانب دون آخر، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77].
2- شمول التشريع الإسلامي لجميع جوانب حياة الإنسان، بدءاً من أسس ومبادئ الحكم، كما في قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50)، وحتى آداب قضاء الحاجة الشخصية، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ. فَقَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِىَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ وَقَالَ: “لاَ يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ” [صحيح مسلم].
3- التوازن الشامل والشمول المتوازن: فبالرغم من شمول الثقافة لكل ما يتصل بالإنسان روحاً وعقلاً وجسداً، واعتقاداً وعملاً، فإن ذلك كله يتم في توازن يشمل تلك الجوانب جميعها بحيث لا يطغى جانب على جانب، ويتجلى ذلك التوازن الشامل الرائع في قصة سلمان الفارسي مع أبي الدرداء حيث قال سلمن لأبي الدرداء: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “صَدَقَ سَلْمَانُ” [صحيح البخاري]، وهكذا فهم الصحابة دينهم وبنوا ثقافتهم بتوازن الحقوق، فلا إضاعة ولا إلغاء لحق مقابل الالتزام بآخر، بل يعطى كل ذي حق حقه دون إخلال وفق منزلته التي وضعه فيها الإسلام.
ومع هذا الشمول المتوازن فإن تطبيق تعاليم الإسلام في مجال معين لا يعود بأثر سلبي على نظام أو تشريع آخر، فعلى سبيل المثال نجد أن أحكام الاقتصاد والمعاملات المالية لا تتسبب في ضعف البناء الأخلاقي أو التماسك الاجتماعي، كما يحصل في النظام الرأسمالي الذي يهدف إلى الربح، ويعظم قيمة ومكانة المال ولو على حساب الأخلاق، فنجد الاحتكار والمتاجرة بالأعراض والجنس وغير ذلك مما يحقق الأرباح وإن حطّم الأخلاق، وبالجملة فإن التشريعات البشرية تهدف إلى تحقيق النجاح في نظام معين وتعجز عن منع حدوث الخلل في جوانب أخرى[1].
4- عالمية الدعوة، فالإسلام دين أنزله الله للناس كافة، والقرآن للناس كافة، ومحمد رسول الله للعالمين، قال تعالى: )تَبَارَكَ الَّذِي نـزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً([الفرقان:1]، وكما قال تعالى على لسان رسول الله r: )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً([الأعراف:158]، ذلك أن ما في الثقافة الإسلامية من المعاني الإنسانية، والقيم الخُلُقية، والمناهج العقلية جميعها تشتمل على ما يصلح للبشر جميعاً حتى وإن لم يكونوا مسلمين.
[1] ينظر: منطلقات أساسية في الثقافة الإسلامية، ص 45، د نوال العيد، شريفة الحازمي.
تابع صفحتنا على تويتر
اقرأ أيضا المقال الثاني من السلسلة
https://makkahacademy.orgacademy/our-life-and-islamic-culture-0002/