مصادر الثقافة الإسلامية – الجزء الأول –

د.محمد محمود حوا

سلسلة مقالاتحياتنا ثقافتنا

د محمد محمود حوا

الثقافة الإسلاميةمصادر ثقافتنا

 

 

عرفنا ثقافتنا الإسلامية بأنها: “جملة العقائد والتشريعات والمبادئ، والقيم والعادات، والأعراف والمعارف، والعلوم والآداب، التي تشكل شخصية الفرد وهويته، وفق أسس الإسلام وضوابطه“.

فالسؤال الذي يطرح نفسه، من أين نستقي هذه الثقافة بهذا المفهوم الشامل الواسع؟

وما هي مصادرها التي تشكل الأسس الكبرى لها، فكراً وعطاءً وتفاعلاً وحدوداً، تلك المصادر التي تميز الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات؟

قد تتعدد مصادر الثقافة، لكن المصادر التي تخص الثقافة الإسلامية بشكل أساسي تتمثل في خمسة مصادر نستعرضها تباعاً إن شاء الله تعالى، وهي:

  • القرآن الكريم.
  • السنة النبوية.
  • الفقه الإسلامي.
  • التاريخ الإسلامي.
  • اللغة العربية وآدابها.

وفيما يأتي نتحدث بإيجاز عن هذه المصادر، مع تخصيص هذا المقال للحديث عن المصدر الأول والثاني، وهو:

القرآن الكريم:

منذ أن نزل القرآن الكريم أصبح هو الموجه الرئيس لحياة المؤمنين، يتلقاه المؤمنون للعمل به، فلا يجاوزون عشر آيات منه حتى يعلموا ويعملوا بما فيها من العلم والعمل. وقد تميز القرآن بخصائص كثيرة جعلته المصدر الأهم للثقافة الإسلامية، والمرجع للمصادر الأخرى، وإليك أهم خصائص هذه المصدر:

  • الحفظ الدائم: فقد حفظ الله نص القرآن وتعهد بحفظه إلى قيام الساعة، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر:9 ] ولذلك كان القرآن مصدراً ثابتا للثقافة عبر العصور المتعاقبة، وبالتالي فإن الثقافة المستمدة منه هي واحدة في أصولها على مر العصور، وهذا يجعل الثقافة تستند إلى مصدر موثوق {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
  • الكمال الشامل: فقد أكمل الله تعالى دينه، وأتم نعمته بتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة ،الأصول والفروع؛ ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في أحكام الدين وأصوله وفروعه، يقول تعالى:  {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، و يقول تعالى: {وَأَنـزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نـزلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره إما تفصيلاً وإما تأصيلاً كما قال القرطبي في تفسيره للآية، وهذا يعطي الثقافة سعة في موضوعاتها، ومتانة في أصولها لاستنادها إلى الوحي الصحيح.
  • التكامل المتوازن: فلم يقتصر القرآن في خطابه على العقل وحده، كما لم يقتصر على الخطاب المتعلق بالآخرة دون الدنيا، بل وازن في تكامل بديع بين الدنيا والآخرة، والوعد والوعيد، والعقل والعاطفة، والجسم والروح، تأمل في ذلك قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:77). وقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة : 105)، حتى في تعاليمه الخاصة بمعاش الناس وحياتهم فإنه يمتدح التوسط ويأمر به، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (الفرقان:67).
  • البرهان المبين: فالقرآن في إثبات أصول الدين وعقائده يسلك سبيل إقامة الباهين العقلية البينة، التي لا يجد أمامها الخصم الباحث عن الحق إلا التسليم المطلق، فها هو يدحض فكرة تعدد الآلهة والشرك بآية واحدة فقط، كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الأنبياء : 22 ).
  • الحاكم المطلق: ذلك أن القرآن في عقيدة المسلم هو حاكم على كل ما سواه، لأنه الحق المطلق الذي يجب الإيمان به، والعمل بأمره والرجوع لحكمه {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة:50)

وتنعكس خصائص هذا المصدر العظيم على ثقافتنا الإسلامية، ثباتاً في أصلها بحيث لا تتجاذبها الآراء البشرية ولا الأهواء النفسية، وانسجاماً مع العقل البشري، فلا تتناقض مع مسلماته، وتبقى أصولها ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأعراف الاجتماعية، {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} (إبراهيم : 24)، كما تنعكس إيجابياً على وحدة الشعوب الإسلامية، مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء : 92).  

 

وننتقل للحديث عن المصدر الثاني :

المصدر الثاني: السنة النبوية:

وأقصد بالسنة النبوية هنا: كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتلقون كل شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم للعمل والتأسي، انطلاقا من قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: 7)، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب: 21).

ومن خصائص السنة كمصدر للثقافة الإسلامية:

  • السنة وحي بنص القرآن:قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3-4)، وقال صلى الله عليه وسلم: “أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ القرآن وَمِثْلَهُ مَعَهُ” (رواه أحمد، وأبو داود بلفظ: “الكتاب”)، أي أنه أوتي من الوحي غير المتلو والسنن التي لم ترد في القرآن مثل ما جاء في القرآن، قال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164] فالكتاب: هو القرآن، والحكمة: قيل: هي السنة. أو أوتي مثله من بيانه، فإن بيان الكتاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم…[1].
  • السنة بيان للقرآنفالنبي صلى الله عليه وسلم هو أول من فسر نصوص القرآن، قياماً بما كلفه الله تعالى بقوله: {وَأَنـزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نـزلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44)، وقد بلّغ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة، فاشتملت سنته على تفسير القرآن الكريم، وتوجيه المؤمنين بمختلف الأساليب كالأوامر والنواهي، وضرب الأمثال، وذكر القصص، فكانت السنة وسيلة لفهم القرآن، وتدبر معانيه وبيان أحكامه، والتحلي بأخلاقه وقِيَمِه، والسير على منهجه القويم.
  • التطبيق العمليفكل مبدأ يبقى مثالياً ما لم يتحقق له وجود تطبيقي في واقع الحياة، ولذلك كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته هي التطبيق العملي للقرآن، فوصف الله سبحانه ذلك بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، وعندما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “كان خُلُقُهُ القُرْآن” [رواه أحمد] وبذلك كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة أصدق ترجمان لتعاليم وهدايات القرآن.
  • الكمال الإنساني: فقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الكمال الإنساني في أرقى تجلياته في كل جوانب الحياة، فهو أكمل نبيّ، وأكمل والد، وأكمل قائد، وأكمل حاكم، وأكمل قاضٍ، وأكمل معلم، وأكمل مربٍّ، وأكمل زوج، وأوفى صديق، ومهما قيل في حقه فلن يوفيه حقه أحد إلا الخالق سبحانه حيث زكّاه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4).
  • جوامع الكلم: فإن المطالع لنصوص السنة النبوية الشريفة يجد بلاغة فيها واختصاراً، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ” [رواه البخاري] وعند مسلم: ” أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ“، قال ابن حجر: (قال البخاري: بلغني أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت لمن قبله في أمر واحد أو أمرين، وقال غيره: المراد الموجز من القول مع كثرة المعاني)[2].

وإذا أدركنا مكانة السُّنة النبوية كمصدر من مصادر ثقافتنا الإسلامية – بل وديننا – ندرك خطورة أسلوبين في التعامل مع السنة:

  • الأسلوب الأول: التشكيك في حجية السنة، والدعوة إلى تركها بحجة ضعف بعض الروايات، وتجاهل كل ما قام به جهابذة علماء الحديث في الذب عنها وبيان الصحيح من الضعيف من الموضوع.

الأسلوب الثاني: التساهل في إدخال ما ليس من السنة فيها، بحجة الوعظ والتذكير لجذب الناس بتلك الموضوعات والغرائب والتي قد تصل إلى مخالفة محكمات القرآن الكريم كما في بعض المرويات والإسرائيليات، وعدم إدراك خطورة الكذب على رسول الله صلى الله وعليه وسلم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ” [رواه البخاري ومسلم

[1] ينظر: شرح السنة للبغوي (1 /202).

[2] فتح الباري لابن حجر (1 / 99).

تابعونا في المقالة القادمة وفيها الحديث عن تتمة مصادر الثقافة الإسلامية

بَيْنَ مُصْطلحِ الثَّقافَةِ والمُصطلحاتِ المُقارِبَةِ
آدابٌ تعلمتها في معهد مكة

Comments (2)

  1. شكري بنعلي

    جزاكم الله الفردوس الأعلى من الجنة يا أهل الرحمٰن وخاصته على عطائكم

  2. شكري بنعلي

    Allah bless you all

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Close
Close سلتي
Close المفضلة
Recently Viewed Close

Close
Navigation
Categories