الثقافةُ الإسلاميةُ – مُقدمة ومَفاهيم

بقلم الدكتور محمد محمود حوا

 

سلسلة – حياتنا ثقافتنا(1)

  الثقافة الإسلامية – مُقدمة ومَفاهيم

 

لمّا كانت الثقافة – أي ثقافة كانت – هي التي تُشكل هُوية الأمة وتُميزها عَنْ غيرها، وبها تَفهمُ الأمةُ ماضيها وتتعامل مع حاضرها وتستشرف مستقبلها، كما تَحمي نَفْسها مِنْ الغَزو الثقافي، والتغيرات التي تجتاح مجتمعاتها بشكل متواصل، لا سيما مع تطور وسائل التواصل بين البشر وتحول العالم إلى قرية صغيرة.

وليست الثقافة الإسلامية مُخْتلفة ولا مُتَخلفة عَنْ غَيرها مِنَ الثقافات في ذلك، بل هي أقدر الثقافات بإذن الله على بناء الإنسان الصالح المتصالح مع ذاته ومع مجتمعه ومع الكون الذي يعيش فيه، بناءً ينسجم مع حركة الحياة وفق مراد الله عز وجل؛ لأنها (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (الروم : 30 ) وهو ما تحتاجه البشرية اليوم.

ولقد أثبتت أزمة وباء كورونا عام 2020م أن الإنسانية اليوم بحاجة إلى الإنسان الذي تتحقق فيه صفات الإنسانية ويقدر قيمة الإنسان حق قدرها كمخلوق مكرم خلقه الله واستخلفه في الأرض، أكثر من حاجتها للتقدم العسكري والقنابل النووية. إذا كان للثقافة كل هذا الدور وهذا الأثر، فما هي الثقافة عمومًا؟! وما هي الثقافة الإسلامية على وجه الخصوص؟

المعنى اللغوي للثقافة:

أصل كلمة الثقافة من الفعل الثلاثي (ثَقِـُـف) بضم القاف وكسرها؛ وله في لُغَة العربِ مَعَانٍ مُتعددة، مِنْهَا الحَذق في إدراك الشَّيء وفِعله، وسُرعة الفَهْم والظَّفر بالشَّيء والحصول عليه، وتقويم الاعوجاج([1]).

المعنى الاصطلاحي للثقافة الإسلامية:

وكما تعددت معاني الثقافة في أصلها اللغوي، فقد تعددت تعاريفها في الاصطلاح، فمنهم من عرفها بما يرادف المعرفة، حتى قيل بأن المثقف هو من يعرف شيئًا عن كل شيء، أو يأخذ من كل علم بطرف، وهناك من عرفها بأوسع من ذلك كما في تعريف منظمة اليونسكو للثقافة في إعلان مكسِكو والذي صدر عام 1982، لتشمل الثقافة: ” جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه، وهي تشمل الفنون والآداب، وطرائق الحياة والحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات“.

فالثقافة إذن “مجموعة القيم والمبادئ التي يتمسك بها أفراد مجتمع ما، وتقود حركتهم وسلوكياتهم لتحقيق أهدافهم في الحياة” ([2]). وهذا الأخير هو التعريف الذي سنستند إليه في تعريفنا للثقافة الإسلامية.

فالثقافة الإسلامية لا تعني المعلومات التي يحفظها الفرد في مختلف العلوم الإسلامية، أو غيرها من العلوم،  وإنما تعني ما يعتقده الفرد، ويؤمن به ويتمسك به من قيم دينية وأخلاقية وحضارية تقوَم سلوكه وتوجه حياته.

وعليه فالثقافة الإسلامية هي: “جملة العقائد والتشريعات والمبادئ، والقيم والعادات، والأعراف والمعارف، والعلوم والآداب، التي تشكل شخصية الفرد وهويته، وفق أسس الإسلام وضوابطه“([3]).

فالثقافة الإسلامية هي فهم المسلم للحياة وشؤونها المختلفة وفق منهج يحكمه الإسلام ويوجهه، وهي نظرة المسلم للإنسان والكون والحياة وفق ما أراد الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك كله إيمانه بخالق الكون سبحانه وتعالى، وهي بذلك تشكل شخصية الفرد المسلم، وتَصْبِغُ حياته بصبغة متميزة تميزه عن غيره كما يتميز الثوب بلونه الذي يصبغ به

(صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) (البقرة: 138 ). قال البغوي في تفسيرها: “دين الله، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب، وقيل لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه، كالصبغ يلزم الثوب”([4]).

________________________________________

([1] ينظر: مفردات القرآنـ الأصبهاني (173) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ثقف)  (1 / 382) لسان العرب, مادة (ث ق ف) (9/19-20).

([2]) تعريف الدكتورمصطفى نشار؛ نقلاً عن: صناعة الثقافة (ص26). وانظر تعريف الثقافة نحو ذلك في: لمحات في الثقافة الإسلامية، عمر الخطيب (ص28-29). مشكلة الثقافة، مالك بن نبي (ص17). مدخل إلى الثقافة الإسلامية،د.محمد رشاد سالم  (ص4).

([3] ينظر الثقافة الإسلامية، كتاب جامعة الملك عبد العزيز بجدة (ص19).

([4] تفسير البغوي (1 /157).

يتبع- سلسلة: حياتنا ثقافتنا.

تغير الأحكام في الشريعة الإسلامية
بَيْنَ مُصْطلحِ الثَّقافَةِ والمُصطلحاتِ المُقارِبَةِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Close
Close سلتي
Close المفضلة
Recently Viewed Close

Close
Navigation
Categories