بقلم : د.أيمن هاروش
التنوع في الأفكار والمعتقدات فرع من ظاهرة التنوع العامة بين البشر، ((ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم)).
وأمام هذا التنوع يسعى كل صاحب فكرة ليثبت صحة معتقده وخطأ معتقد الآخر ويدعوه للإيمان بما يؤمن به، والسبيل الأمثل والوحيد لتحقيق هذه الغاية هو الحوار.
فالحوار تناقح الأفكار وصراع الأدلة والبراهين، والظهور للحجة والبرهان، ولهذا كان اختيار العقلاء وسبيل الحكماء.
أما السيف فهو اختيار الجهلة، لأنه يفصل الرأس عن الجسد ولا يفصله عن الفكرة التي فيه، بل لا يزيد صاحبها بها إلا إيماناً، فقتال أي فكرة هو وقود لحياتها، وهو دليل العجز والضلال، ولذا اختار السيفَ المستبدون والفراعنة الطغاة.
الحوار منهج قرآني نبوي
ولقد سلك القرآن الكريم الحوار مع المخالفين، وبأساليب حوارية مختلفة، فنراه مع المشركين حاورهم بقضية وجود آلهة مع الله وحاورهم في قضية البعث ويوم القيامة وصدق نبوة الأنبياء، كما قص علينا محاورات جرت بين الأنبياء لنقتدي بهم ولنعتمد الحوار أسلوبا كما اعتمدوه، فقص علينا حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمروذ، وموسى عليه السلام مع فرعون، والأنبياء مع أقوامهم.
كما اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الحوار مع المشركين سواء فيما قصه القرآن أو ماروته السنة، وهذا امتالا لأمر الله ((وجادلهم بالتي هي أحسن))، وأحيانا كان يحاور أصحابه كما في حديثه مع الأنصار بعد غزوة حنين حين أعطى المهاجرين الغنائم، وكما في حواره الصحابة بعدم قتل المنافقين، والأمثلة كثيرة.
وخلاصة القول هنا: إن الحوار منهج وسبيل سلكه القرآن والأنبياء والعقلاء والحكماء من البشر.
أسس الحوار الناجح
لكن حتى يكون الحوار ناجحا ويثمر الوصول للحقيقة، لابد له من أسس يقوم عليها، وأهم هذه الأسس:
-
المرجعية الواحدة: لابد من وجود مرجعية متفق عليها بين المتحاورَيْن، حتى يكون كلام كل واحد ملزماً للآخر، وإذا لم توجد المرجعية فلا إلزام في قول لآخر، فعندما يتحاور مسلمان فمن المفترض أن يكون الكتاب والسنة مرجعهما، وعندما يتحاور مسلم وغير مسلم فلا يجدي الكتاب والسنة لأنهما ليسا مرجعية لغير المسلم، وهنا يكون العقل وأدلته المنطقية المتفق عليها هي المرجع، ولذا حاور القرآن المشركين بحجج عقلية منطقية.
-
اتباع منهج البحث العلمي في الحوار، فعندما تكون القضية تاريخية أو روائية ومنها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من منهج أهل الحديث القائم على قاعدة سموا لنا رجالكم، وعندما تكون حكما فقهيا فلا بد من إبراز دليل صادر من المرجعية المتفق عليها، وعندما يكون محض رأي فلا بد من الدليل على صحة الاجتهاد، وعندما تكون القضية غيبا فلا مجال للاجتهاد، وعندما تكون عقيدة فلا يقبل للظن، وعندما تكون قضية مادية فلا داعي لما سبق فالتجربة هي البرهان، وهكذا.
-
التجرد عن الهوى، فالهوى عدو الحقيقة وما ركب الهوى امرُؤٌ إلا هوى، فالهوى هو الحامل على تحريف النصوص والتلاعب بها لينصر المرء هواه، ولا يمكن أن يقتنع بالحوار إلا من كان للحق ناشدا وطالبا.
هذه أهم الأسس التي أردت الإشارة إليها وإن كان ثمة أسس أخرى وآداب غيرها.
الحوار السني الشيعي
ولو رحنا نتساءل عن جدوى الحوار بين السنة والشيعة، وهل يمكن أن يكون سبيلا مثمرا للوصول للحقيقة؟
بداية لا مانع من الحوار مع الشيعة، مادام القرآن سلكه مع المشركين وأهل الكتاب، وقد فعله كثير من علمائنا في القديم والحديث، ولكن هل حقق الحوار أو يحقق شيئا معهم؟
إن وجهة نظري أن أسس الحوار معهم غير موجودة ولذا لا يمكن أن يقام معهم حوار نافع، فأولا:
لا مرجعيةَ نتفق عليها بيننا، وإن قيل أليس القرآن كتابنا والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبينا، فأقول بلى ولكن المشكلة في أمرين:
-
فهم القرآن، فالقرآن كتابنا وكتابهم من حيث الرسم والحروف، هذا إذا تجاوزت قضية التحريف التي يؤمنون بها، ولكن هل هناك اتفاق على فهم القرآن؟ لا يوجد، وهنا المشكلة فكم من آية لها تفسير في كتب السنة وفقا لمدلولاتها اللغوية، ولكن تجد لها عند الشيعة تفسيرا آخر وفقا لرواية عن أحد أئمتهم، فمثلا قوله تعالى في سورة الفرقان: (( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا))، فعند أهل السنة هي تحكي عن رجل مشرك صدته صحبته لمشرك آخر عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فظلم نفسه بذلك، فيوم القيامة يندم أشد الندم، ويتحسر على تركه للإيمان وصحبته لهذا المشرك الذي حال بينه وبين الإيمان، وهذا ما تقتضيه اللغة التي نزل بها القرآن، لكنها عند الشيعة هي ندم عمر على اتباعه لأبي بكر وعدم طاعته النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة علي، وأمثالها كثير، فالمهم أن فهم القرآن ليس متفقا عليه.
-
طريقة التلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم حجة عند الجميع لكن هل هناك اتفاق على طريقة للتلقي عنه بحيث يكون ما ثبت عند فريق ثابتا عند الآخر، فأهل السنة يسيرون على منهج الجرح والتعديل وسموا لنا رجالكم، والصحابة عندهم عدول، والشيعة يحصرون الطريق بما جاء عن أهل البيت بطريقة تختلف عن طريقة أهل السنة، والصحابة عندهم شر الناس إلا قلة، فكيف يتفقون على رواية واحدة؟ هذا محال.
سماحة الشیخ د.أيمن هاروش
السلام علیکم
أنا طالب علم شیعي وأدعوکم إلی الحکم علی الشیعة عبر معاینة الحقائق ولا عبر أخبار مزیفة توصلک من رجال غیر ثقات. أنا بنفسي أعیش في بلد شیعي وأحترم الإخوان من أهل النسة وأتعامل معهم وأتحاور أیضا. وأرجعکم إلی قول الله سبحانه وتعالی: إن السمع والبصر والفؤاد کل اؤلئک کان عنه مسئولا. صدق الله العلي العظیم
كيف يمكن التسجيل اذا سمحت