(تغيّر الأحكام في الشريعة الإسلامية) هو عنوان المحاضرة التي أقامها الفريق الطلابي في معهد مكة المكرمة – فرع مرعش في قاعة الأنشطة التي امتلأت بالحضور والمشاركين، والتي قدَّمها الأستاذ بهاء الدين الجاسم (ماجستير في الفقه الإسلامي وأصوله) / أستاذ الفقه الإسلامي في المعهد والمحاضر في كلية الإلهيات في جامعة مرعش ..
من أهمّ ما تتميز به الشريعة الإسلامية، جمعها بين الشمول والثبات من جهة، والمرونة من جهة أخرى، مما جعلها صالحة للتطبيق في كل زمانٍ ومكان. وهذا ما يعبّر عنه بقضية الثبات والتغيّر في الأحكام الشرعية.
تهدف هذه المحاضرة إلى تقديم دراسة تأصيلية لقضية ثبات وتغيّر الأحكام الشرعية، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات كثيرة إلى تجديد الفقه وتغيير كل الأحكام الشرعية، وذلك بدعوى صلاحية الشريعة لكل زمانٍ ومكان، وأن تغير الأحكام لا ينكر بتغير الأزمان. وفي مقابل هذه الدعاوى ظهرت أيضاً دعاوى للدفاع عن الأحكام الشرعية والتمسك بها جملةً، دون مراعاة الثابت والمتغير منها.
وفي هذه المحاضرة بيان للأحكام الثابتة، والأحكام القابلة للتغيير، مما يضع الضوابط والحدود الشرعية لضبط هذه القضية.
احتوت المحاضرة على أربعة محاور أساسية: الأول في تحرير مفهوم تغيّر الأحكام، والثاني في بيان ضوابط التفريق بين الأحكام الثابتة والأحكام المتغيّرة، والثالث في بيان أسباب تغيّر الأحكام، والرابع في عرض بعض الأمثلة والنماذج التطبيقية.
وفي تحرير مفهوم تغير الأحكام توصل المحاصرة إلى أنَّ تعبير “تغيّر الأحكام” إنما هو تعبيرٌ مجازي، لأن الحكم في حقيقته ثابتٌ، لأنه خطاب الله تعالى، القديم الأزلي، وإنما المتغيّر هو أفعال المكلفين والظروف والمعطيات المحيطة بالواقعة، وبتعبير آخر، المتغير هو (متعلَّق الحكم)، وليس الحكم ذاته، إذ الواقع أن المجتهد إذا عرضت عليه مسألة من المسائل، راعى ظروفها وملابساتها والوسط الذي حدثت فيه، ثم استنبط لها الحكم المتفق مع كل هذا، فإذا تغير الوسط، وتبدل العرف، تغيرت بذلك المسألة، وتبدل وجهها، وكانت مسألة أخرى اقتضت حكماً آخر، وهذا لا ينفي أن المسألة السابقة بظروفها ما زالت على حكمها، وأنها لو تجددت بظروفها ووسطها لم يتبدل حكمها. وطالما أن الفقهاء المتقدمين قد استخدموا هذا التعبير “تغيّر الأحكام”، فلا حرج في استخدامه اليوم، إذ لا مشاحَّة في الاصطلاح.
وأما ضوابط التفريق بين الأحكام الثابتة، والأحكام التي تقبل التغيير، فقد تمَّت دراسة هذه الضوابط من خلال بيان أنواع هذه الأحكام، وهذا التقسيم يكون من ناحيتين: ناحية أصول الفقه، وناحية الفروع الفقهية.
فمن الناحية الأصولية، تختلف أنواع الأحكام باختلاف ناحية النظر إليها، ويمكن تقسيماه إلى الأنواع الآتية:
-
بالنظر إلى مصدر الحكم فإنها تنقسم إلى: الأحكام الثابتة بالنص، والأحكام الثابتة بالاجتهاد.
-
بالنظر إلى غايتها فإنها تنقسم إلى: أحكام المقاصد، وأحكام الوسائل.
-
بالنظر إلى التعليل وعدمه فإنها تنقسم إلى: الأحكام المعلّلة، والأحكام غير معلومة العلة.
-
بالنظر إلى شموليتها فإنها تنقسم إلى: أحكام التشريع العام، وأحكام التشريع الخاص.
ومن ناحية الفروع الفقهية تختلف أنواع الأحكام باختلاف ناحية النظر إليها أيضاً، ويمكن تقسيماه إلى الأنواع الآتية:
-
بالنظر إلى موضوعها، فإنها تنقسم إلى: أحكام العبادات، وأحكام المعاملات.
-
بالنظر إلى التقدير وعدمه، فإنها تنقسم إلى: أحكام مقدّرة، وأحكام غير مقدّرة.