الشيخ الداعية عبد المجيد الزنداني – رحمه الله – وإصلاح ذات البين، لعل اسم الشيخ ارتبط بشكل كبير بمباحث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، كيف لا وهو من مؤسسي الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة وأحد أبرز الباحثين في هذا المجال.
ومما يجدر الحديث عنه ومما يعدُ أيضاً من أبرز سمات شخصية شيخي العالم العامل عبد المجيد الزنداني – رحمه الله وتقبله – كان حرصه الشديد والعجيب على وحدة صف المسلمين، والحذر من العصبية والفرقة، والعمل على الحد من الخلافات في صفوف المجتمع المسلم.
إنَّ إصلاح ذات البين على مستوى الأفراد يعدُ في ديننا عملاً صالحاً مبروراً وله أجر عظيم، فكيف بالأجر والفضل عندما يتعلق الأمر بحفظ وحدة المجتمع المسلم؟! والتأليف بين جماعتين أو فئتين من المسلمين؟!
ولست بصدد الحديث عن مسيرة الشيخ العلمية والعملية، ورحلاته، ولا عن أعماله في مجالات كان فيها علماً من رجالات اليمن السعيد في السياسة والدعوة والتعليم والفكر والإقتصاد، وعلماً من أعلام الدعوة في العالم الإسلامي.
إنما كتبت هذه الخاطرة عن الشيخ وعن اهتمامه الكبير في إصلاح ذات البين لأهمية هذا الثغر، و اهتمام شيخنا -رحمه الله- لم يكن مقتصراً على الأفراد والأزواج كما هو المألوف، إنما امتد إلى سعي حثيث للإصلاح بين المدارس الدعوية، والمدارس الفقهية، والقبائل، والجماعات، والأحزاب السياسية. متمثلا قول الله تعالى:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.
وكم نجد فراغا في هذا الثغر الخطير، إن فساد ذات البين هي الحالقة على مستوى الأفراد كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة” فكيف يكون ضررها وشرها على مسنوى المدارس والتيارات الإسلامية؟!
كان يجتمع في مكتب شيخنا الفقيد أو في بيته أطياف متنوعة من أبناء الحركة الإسلامية ما بين صوفي وسلفي وآخر من جماعة التبليغ، لثقتهم به وحسن الصلة والمودة بينه وبين معظم العاملين في ميادين الخير والإصلاح، يستقبلهم برحابة صدر وتواصل بنّاء ويتشارك معهم التناصح المثمر.
فكان الإصلاح وتقريب “وجهات النظر الاجتهادية” بين المدارس الإسلامية الموثوقة قد نال حظاً وافراً من جهود الشيخ الفقيد، كيف لا وهو ما يعصم المجتمع من مفاسد التنازع والتدابر، ويعزز الوحدة والتعاون بين المسلمين، ويسهم في تحقيق المصالح العامة للأمة بما يرضي الله تعالى الذي أوصانا: { أَنۡ أَقِیمُوا۟ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِیهِۚ }.
ولا أنسى حينما سمعت الشيخ – رحمه الله – يقول في حفل تخرج دفعة من طلاب جامعة الإيمان، وهو يوصيهم بنبذ العصبية الجاهلية والفرقة، ويأخذ عليهم العهد قائلا: “وأنْ نوالي كل مؤمن، وأن ننصر كل مسلم”، وقد وقعت في قلبي تلك العبارة موقعاً يبعث على الإعجاب والإكبار، وهذا تجده عند الشيخ منهجاً مطرداً في الجوانب المختلفة سياسياً، ودعوياً، وفكرياً، منهجاً يبثه في نفوس طلاب جامعة الإيمان، ذلك الصرح العلمي الذي تخرج فيه آلاف الدعاة، وعشرات منهم صاروا اليوم من كبار العلماء والدعاة، قد انتشروا في ربوع الدنيا يعلمون الناس الخير ويدعون إلى الإيمان بالحكمة والموعظة الحسنة، في عموم بلدان العالم…
وقد فقدت الأمة الإسلامية الشيخ الجليل في 22 نيسان من هذا العام 2024م، ذو الهمة العالية والعمل الدؤوب، وقد بلغ من العمر ثمانين عاماً قضاها في الدعوة والتربية والتعليم والجهاد مدافعا عن الإسلام وعقائده ومفاهيمه الكبرى، والشيخ مُذ أنْ بلغ العشرين وهو في ميادين الدعوة والعمل الإسلامي. أيام كان طالبا في القاهرة في كلية الصيدلة مطلع الستينات من القرن الماضي، وترك إرثاً مباركاً وأثراً طيباً في تأليف الرجال وبناء الجيل، وعشرات المحاضرات والمناظرات المسجلة والمصورة، ومجموعة من الكتب النافعة أبرزها كتابه براهين الإيمان.
رحم الله شيخنا الجليل وتقبله في عليين، ونسأل الله تعالى الهداية والعون على حفظ وحدة الأمة وجمع صفوفها وحفظ مودتها على الخير والإحسان.
بقلم: محمد مصطفى الشامي