بقلم الدكتور محمد محمود حوا
في المقال السابق عرّفنا الثقافة الإسلامية بأنها : “مجموعة القيم والمبادئ التي يتمسك بها أفراد مجتمع ما، وتقود حركتهم وسلوكياتهم لتحقيق أهدافهم في الحياة” ([1]).
وحتى يتضح المفهوم أكثر، نحتاج أن نورد بعض المفاهيم والمصطلحات المقاربة لمصطلح الثقافة والتي تلتقي معه في بعض الجوانب، ومن هذه المصطلحات، المعرفة والعلم والحضارة والمدنية.
– المعرفة والثقافة:
المَعرِفة: إِدْراكُ الشيءِ بتَفَكُّرٍ وتَدَبُّرٍ لأَثَرِهِ، وعَرَف الشيءَ : أدركه بحاسَّةٍ من حواسِّه، وهي مسبوقة بجهل بخلاف العلم([2]). والمعرفة بهذا المعنى مرادفة للثقافة عند من عرفها بأنها معرفة شيء عن كل شيء. لكنها لا ترادف الثقافة بالمعنى العام الذي ارتضيناه.
– العلم والثقافة:
تعريف العلم لغة: العلم نقيض الجهل، وعلم الأمر وتعلّمه: أتقنه، إدراك الشيء بحقيقته ([3]).
تعريف العلم اصطلاحاً: هو المسائل المضبوطة التي تجمعها جهة واحدة([4]). كعلم التجويد والفقه والنحو والصرف والفيزياء، وعلى هذا فالثقافة أشمل من العلم؛ لأنها ليست مرتبطة بجهة واحدة كالعلوم المتخصصة المختلفة، كما أن الثقافة تشتمل على أمور فكرية وعاطفية، وأخرى سلوكية وأخلاقية.
والثقافة كونها: “مجموعة القيم والمبادئ التي يتمسك بها أفراد مجتمع ما…” فهي تمثل صفات خاصة بكل أمة من الأمم، بينما العلم مشترك عام بين الأمم: فالعلم المادي قائم على التجربة ونتائجها واحدة، وقواعد اللغة واحدة عند مستخدميها أيا كانت ثقافتهم ـ فلا تتأثر – في الجملة – بالفكر والعاطفة.
– الحضارة والثقافة:
لعل مصطلح الحضارة هو أقرب المصطلحات قرباً إلى الثقافة من العلم، وأكثر تداخلاً معها، وكثيراً ما يستخدم أحد المصطلحين (الثقافة، الحضارة) للتعبير عن الآخر.
الحضارة لغة: مأخوذة من الحضر والحاضرة، خلاف البادية ([5]).
تعريف الحضارة اصطلاحاً: فقد تعددت تعاريفها كما تعددت تعاريف الثقافة.
فابن خلدون ومن تابعه يحصر الحضارة في الجوانب المادية فيعرفها بأنها: تفنن في الترف، وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه، من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية وسائر عوائد المنـزل وأحواله([6]). وهذا ما يسميه البعض المدنية.
ويوافق الرئيس (علي عزت بيجوفتش) ابن خلدون في اتجاهه فيقول:
الحضارة استمرار للتقدم التقني (المادي)، والثقافة استمرار للتقدم الإنساني.
الحضارة تقدم في الوسائل، والثقافة تقدم مستمر للذات والاختيار.
العلم والتكنولوجيا والمدن والدول كلها تنتمي للحضارة.
الدين والقيم والفكر والأدب هي مكونات الثقافة([7]).
بينما يتوسع غيرهم في تعريفها فيعرفها بأنها: كل ما ينشئه الإنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ونواحيه عقلاً وخُلُقاً، مادة وروحاً، دنيا وديناً([8]).
وممن يركز على الجانبين المادي والمعنوي ول ديورانت فيعرف الحضارة بأنها نظام اجتماعي يعين الإنسان على زيادة انتاجه الثقافي بعناصر أربعة:
-
الموارد الاقتصادية (2) النظم السياسية (3) العقائد الخلقية (5) متابعة العلوم والفنون([9]).
* ثمرة التفريق بين هذه المصطلحات:
وثمرة التفريق بين الثقافة والحضارة أو بين الثقافة والعلم والمعرفة تتمثل في تحديد ما يمكن أن نستقيه من أصحاب الحضارات أو بالأصح – المدنيات- الأخرى وما يجب أن نرده لكي لا يكون له تأثير في ثقافتنا وقيمنا، حتى نحفظ للأمة هويتها الثقافية وتميزها الحضاري، وهو بحث سيكون له مقال خاص به إن شاء الله تعالى.
([1]) تعريف الدكتور مصطفى نشار؛ نقلاً عن: صناعة الثقافة (ص26). وانظر تعريف الثقافة نحو ذلك في: لمحات في الثقافة الإسلامية، عمر الخطيب (ص28-29). مشكلة الثقافة، مالك بن نبي (ص17). مدخل إلى الثقافة الإسلامية، د.محمد رشاد سالم (ص4).
([2]) ينظر: مفردات القرآن للأصبهاني (560) تاج العروس للفيروزآبادي (24 / 133)، التعريفات للجرجاني (283).
([3]) ماد (ع ل م) لسان العرب، لابن منظور (12/416-422)ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (4/109). مفردات القرآن للأصبهاني(580)
([4]) ينظر: التعريفات (199)، المعجم الوسيط (2 / 624).
([5]) ينظر: المصباح المنير، للفيومي (ص76) ولسان العرب لابن منظور (4/197).
([7]) الإسلام بين الشرق والغرب (ص94-96).
([8]) الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية، د.توفيق الواعي (ص26).
([9]) الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية، د.توفيق الواعي (ص25).