الأخوة في الدين شعار أم أفعال؟!

بقلم أ/ محمد مصطفى الشامي

الحمد لله رب العالمين، ناصر المؤمنين ومذل الكافرين، الحمد لله على نعمة الإسلام وعلى نعمة الأخوة في الدين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وقدوتنا وحبيبنا محمد المصطفى رسول رب العالمين وعلى الآل والأزواج والأصحاب ومن سار بهديه إلى يوم الدين .

لقد امتن الله تعالى علينا بالأخوة في الدين فقال ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا

   وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم” رواه مسلم.

بعض الناس يلج في أعراض المسلمين لأنهم لا يحسنون النظافة أو يجهلون بعض اللباقة أو بسبب جهل في فروع الدين، ولأن هذا أمر خطير وليس عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه “. البخاري ومسلم

وأمرنا ببذل النصيحة وسماها ديناً، وحثنا على ستر المسلم وإعانته والتبسم في وجهه…

 النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالكعبة يوما ثم قال: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك دمه وماله وألّا يُظنُ به إلا خيرا)) البخاري ومسلم.

وقال في خطبة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت)) البخاري ومسلم.

وفي شرح هذا الحديث “أن الولوغ في عرض المسلم من الكبائر لاقترانه بحرمة الدم والمال، وهما من الكبائر وكذلك لعظم حرمة البلد الحرام التي مثل النبي صلى الله عليه وسلم بها حرمة عرض المسلم”.

وعرض المسلم هنا لا يعني الشرف فحسب بل يشمل كل ما ينتقص منه …

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا، (وأشار إلى صدره) بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله” البخاري ومسلم.

“لا يحقره بمعنى لا يظن أنه خير من أخاه بل يظن أن أخاه المسلم خير منه أو لا يظن شيئا ” وفي الحديث القدسي : ” من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ” رواه البخاري . و”المراد بالولي هنا: المؤمن (الله ولي الذين آمنوا) فمن آذى مؤمنا فقد آذنه الله أي: أعلمه الله أنه محارب له، والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه، فليحذر الإنسان من التعرض لكل مسلم.

ولقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الأيمان بالحب للمسلم فقال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسهالبخاري ومسلم.والحديث محمول على نفي الإيمان الكامل.

قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب 36.

فهذا أمر الله تعالى وهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما جاء به فهل اخترنا ما يرضي الله ؟؟؟

 ثم إنّ الأخوة في الإسلام أخوة عقيدة وأخوة دين لا أخوة نسب (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات 10.

فالمسلم من أي لون أو لسان أو جنس هو أخ للمسلم وابن البلد والعشيرة ليست له تلك الأخوة إذا لم يكن مسلما، فإخوة الدين تقدم على ما سواها.كما دل على ذلك فعل الصحابة رضوان الله عليهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . ونحن المسلمون في زماننا هذا نحتاج إلى تحقيق هذه الأخوة التي مزقها أعداؤنا من يهود ونصارى وغيرهم.

ويجب أن ندرك الفرق بين الإيمان بالله والكفر حتى نستطيع أن نتمثل هذه الأخوة ، قال أحد العلماء أنه عندما زار بلدا فيه من عباد الوثن والصنم والبقر فذهب وشاهد بعض معابدهم ، قال: “تجد المهندس أنيق المظهر جميل المطلع يعبد البقر ويقدس روثه ويتمسح فيه ويجعل روث البقر في طعامه وشرابه ” ، تجده لا يستخدم ما أعطاه الله من العقل والفهم والفطرة ثم يضل هذا الضلال البعيد ..

فأيهم أشد سفاهة وحماقة ..؟ هذا المهندس الأنيق في ملبسه الذي يقدس ما هو مسخر له أم المؤمن بالله الذي أغفل شيء من ملبسه ونظافته وهو على الفطرة السوية والقائم لله بالصلاة والصيام.. وأي الرجلين أحق بالحب والنصرة ..؟

لا شك أن المسلم هو صاحب الحق بالحب و النصرة و بذل النصيحة وإرادة الخير له بالتعليم حتى يستقيم شأن مظهره و مطلعه وسائر أمره ..

ونحتاج من الحفاظ والمدرسين والقائمين على التعليم والتربية أن يكونوا مثالاً لاتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن تكون مجالسهم منبراً للتآخي في الله ولحب المسلمين بعضهم بعضا وللنصح و الإرشاد و التوجيه و التثقيف و تعليم الأخوة للناشئة.

ولتوضيحٍ أكثر أقول: من خصائص المجتمع المسلم، الأخوة الإسلامية الموثقة برابطة الدين و العقيدة ، ومن أول ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار تلك المؤاخاة التي لم يكن لها في التاريخ مثيلٌ عند غير المسلمين.

وهذه الأخوة التي هي ثمرة من ثمار الإيمان، مبنية على مبدأ الولاء لله ورسوله. وهذا الإخاء ليس شعاراً بل حقيقة ثابتة عاشها المسلمون، وأراد أعداؤنا تمزيقها بشتى السبل، ولهذه الأخوة نضحي بالمال والدم؛ فما الذي يوجب تضامن المسلمين للدفاع عن كل أرض إسلامية؟ ودفع الأغنياء زكاة مالهم للفقراء؟ وكذا صلة الأرحام والتعاون والترابط في المجالات كافة؟ … إنما سبب ذلك معنى من معاني هذه الرابطة الموثقة والتي هي أوثق من رابطة اللغة والأرض والعشيرة.

وقال المولى عز وجل:”يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض” الْمَائِدَةِ: 51. وقال عز وجل : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) المائدة: 55, 56.

والولاء:هو الحب والإتباع والنصرة لله ولرسوله وللمؤمنين .

والبراء:هو البغض والتخلي ومعاداة الكافرين والمشركين والمنافقين ..

وحري بنا أن نقف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) رواه احمد وصححه الألباني.

 فلنراجع أنفسنا وخاصة المشتغلين بالتعليم ولنجعل من دروسنا منبراً لحب المسلمين ونصرتهم وبتعليمهم ما جهلوا وبذل النصيحة لهم وفق هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم والاهتمام لشأنهم وعدم الخوض في أعراضهم.

 وأختم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ” رواه مسلم.

ربتا تقبل منا إنك أنت السميع العليم … وصلي وسلم على سيدنا محمد إمام المرسلين، واغفر لي و لوالدي و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

الشيخ المحدث علامة الشام بدرُ الدِّين الحسني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Close
Close سلتي
Close المفضلة
Recently Viewed Close

Close
Navigation
Categories